- 00يوم
- 00ساعة
- 00دقيقة
- 00ثانية
ديباجة الملتقى
إن المتمعن في فنّي المسرح والسينما ليلاحظ العلائق الوثيقة والمتنوعة التي تجمع بينهما، وهي علائق جينية تعود بالباحث المتفحص إلى الجذور الأولى لنشأتهما. فالمسرح الذي يسبق السينما في الظهور والتطور بدأ شعيرة دينية أو قل طقسا تعبديا في الفضاءات المفتوحة إلى أن بدأ يتنازل عن بعض من جوانبه الدينية لصالح عناصر دنيوية وكذا دخوله القاعات المبنية وخضوعه لقوانين وأعراف فنية وتقنية وأدبية. وأما السينما التي تأخر ظهورها إلى غاية نهاية القرن التاسع عشر فارتبط ميلادها بالتطورات التكنولوجية والاختراعات العلمية نظرا لارتباطها المشروط بالآلة. فالسينما -والحالة هذه – صناعة تتوقف ممارستها على مجموعة من الوسائل والآلات، وذاك هو الجانب الذي يجعلها تختلف عن الممارسة المسرحية. فالعرض المسرحي احتفال حي مباشر متجدد وأني، يجتمع فيه الفنان الملقي بالجمهور المتلقي في المكان نفسه وفي اللحظة نفسها. أما الفيلم السينمائي فهو نوع من التعليب، يتكرر بالطريقة نفسها كلما عرض على جمهوره ومتلقيه.
لقد اعتمدت الممارسة السينمائية في بداياتها الأولى على الإبداع المسرحي وتقيدت بتقاليده لفترة من الزمن. فالكاميرا ثابتة في مكانها والحركة أمامها تنتظم بشكل أفقي وقبل أن يصبح للصورة السينمائية خصائصها من حركة وواقعية وشاشة عريضة وألوان وشخصية وجودة وواقعية فنية ودور تعبيري وتشكيلي لتنقل الأعمال المسرحية كما هي، إلى أن تحررت الكاميرا وبدأت تنفرد بتقنياتها وخصائصها، أصبح لزاما عليها أن تبحث عن موضوعاتها والدراما الخاصة بها. فبدلاً من نقل الدراما المسرحية كما هي بدأت بتحويلها إلى أفلام سينمائية متميزة. وأصبح للسينما لغتها ومادتها خصوصاً في معالجتها للزمان والمكان في حين يرصد المسرح أمكنة تعتمد في عمومها على المشهد وحدة أساسية، من خلال سينوغرافيا ثابتة أو متحولة أحيانا يجري عليها الفعل المسرحي، ويتواصل طوال العرض، ويراعي الفنان والمتلقي معا طقسية المكان الذي تقترحه السينوغرافيا بكل عناصرها، كما تراعى أبجدية الدلالات والمعاني المفتاحية الناجمة عن هذه المساحة المعلومة، إذ لا فعل خارج هذه المساحة. ويبقى المشاهد على موقع ثابت بينه وبين خشبة المسرح الثابتة هي الأخرى.
بيد أن السينما تعتمد اللقطة كوحدة بناء، ونظراً لطابعها التحليلي، يبقى الفعل فيها مستمراً لأنها تتعامل مع سلسلة من قطع المكان والإطار فيها مؤقتاً، سواء كان مغلقاً أو مفتوحاً، فهو وسيلة للعزل، يعرض جزءاً صغيراً من المنظر ، وهناك جانب من الفعل ينتظر خارج الإطار لكي يصور .
أما المشاهد في السينما فيتجه ببصره اتجاه عدسة الكاميرا التي لا تسمح له أن يتحرك ببصره في أي اتجاه أو من أية مسافة، فهناك لقطات قريبة مكبرة وهناك لقطات بعيدة تعطيه رؤية شاملة من خلال الشاشة لا يملك لها تحويرا أو تغييرا مهما كانت المسافة التي تفصله عن الشاشة.
إن السينما التي تملك الحرية والانطلاق في شتى الاتجاهات تعالج السينوغرافيا بطريقتين فهي إما أن تكتفي بأن تعيد بناء المكان وتجعلنا من خلال حركة الكاميرا نشعر ونحس به كشيء ملموس لا كصورة فوتوغرافية وهي تقترب من المسرح). أو هي تحققه بخلق أبعاد مكانية جمالية تركيبية يدركها المتفرج من تتابع أماكن مجزأة قد لا تربطها علاقة مادية سوى من خلال الدراما نفسها، وهذا ما لا يستطيع المسرح أن يقوم به إلا بالإيحاء عن طريق الحوار أو المشاهد الرمزية. والسينوغرافيا في كل الأحوال سواء في السينما أو المسرح خاضعة خضوعاً مطلقاً للحدث، فهي وسيلة لا غاية تشكيلية كما يقول مارسيل مارتن.
وأخيرا، إن السينما – و إن حاولت في مسارها التملص من الإرث الجمالي للدراما – فإنها كانت تستمد كثيرا من منطقها وجمالياتها لصالح أجناسها وأنواعها الفيلمية، وبحكم التقارب والتجاور الجلي بين هذين الفنين، فإن التباين بينهما سرعان ما يخفت ويتلاشى عبر منعطفات فنية تطورية تعيد مساءلة الفن السابع في علاقته بالفن الرابع من جهة، وبالعلوم والتكنولوجيا الحديثة التي ما فتات تحدث تغييرات جدرية في تقنيات وطرق معالجة الصور والمشاهد من جهة أخرى.
مواعيد هامة
أخر أجل لاستقبال الملخصات : 30 جانفي 2025
الرد على الملخصات: 05 فيفري 2025
آخر أجل لإرسال المداخلات كاملة: 15 فيفري 2025
موعد الملتقى: 23 -24 فيفري 2025